Monday, March 11, 2019

يجلب الحصول على "حمام غابات" في اليابان - وهو ما يُعرف بـ "شينين يوكو"

فبحسب كاليفي كوربيلا، أستاذ علم النفس في جامعة تامبره الفنلندية، كان من المدهش والمفاجئ بالنسبة للباحثين اكتشاف أن جولات المشي في المتنزه كانت فعالةً ومفيدةً على نحوٍ مماثل لتمارين الاسترخاء. كما أن المجموعة التي يمشي أفرادها في المتنزه، شعرت بقدرٍ أكبر من الاسترخاء والانفصال عن شواغل العمل، واستمتعت أكثر بفترة الراحة الخاصة بها. أما تلك التي مارست تمارين الاسترخاء في مكانٍ مغلقٍ فلم تشعر - كما يقول كوربيلا - سوى "بزيادة في إحساسها بالاسترخاء".
وأظهرت المجموعتان أن أفرادهما تحلوا بقدرٍ أعلى من التركيز، وشعروا بإجهادٍ أقل في فترة ما بعد الظهر. وخَلُصَتْ الدراسة إلى أن كلاً من التجول في المتنزهات وممارسة تمارين الاسترخاء قد "يساعد العاملين على إعادة التزود بالموارد اللازمة لأداء المهام الوظيفية على نحوٍ جيدٍ خلال يوم العمل".
لكن يبدو أن هناك من لا يعلم حتى الآن بما ينطوي عليه التفاعل مع الطبيعة من فوائد. فقد أظهرت دراسةٌ استقصائيةٌ أُجريت مؤخراً في الولايات المتحدة أن 35 في المئة من موظفي المكاتب لا يقضون سوى 15 دقيقة في الهواء الطلق يومياً.
وتشير ليزا نيسبِت إلى أن السبب في ذلك قد يعود جزئياً إلى فشلنا في تقدير مدى فوائد الطبيعة بالنسبة لنا. وأجرت هذه الباحثة دراسةً في جامعة كارلتون بمدينة أوتاوا الكندية، التي يستخدم طلابها أنفاقاً للمرور عبر الحرم الجامعي في الشتاء. وقد طُلِبَ من أفراد العينة السير لفترة قصيرةٍ، إما من خلال الأنفاق أو عبر طريقٍ آخر خارجها، يمر في جزءٍ منها بمحاذاة قناةٍ مائية.
وتقول نيسبِت إنها وزملاؤها الباحثون وجدوا أن الناس كانوا "أكثر سعادةً عندما ساروا في الهواء الطلق، حتى وإن كان ذلك لمدة 15 دقيقة". لكن ذلك أثار سؤالاً بشأن السبب الذي حدا بهؤلاء لعدم القيام بنشاطٍ مثل هذا لوقتٍ أطول، ولماذا ظل الناس يستخدمون الأنفاق في ظل طقسٍ أقل برودة، رغم أنها ليست أقصر من البدائل الأخرى؟ ولهذا سعت الباحثة إلى استكشاف التوقعات التي يُكِنها الناس في داخلهم لما سيجلبه لهم المشي في بيئاتٍ مختلفةٍ ومتنوعةٍ، إذ طلبت منهم توقع ما الذي سيشعرون به في مثل هذه الحالات.
وتقول نيسبِت: "عندما سأل الباحثون الناس بعد انتهاء جولة السير عما شعروا به خلالها، قلل هؤلاء من مدى السعادة التي شعروا بها عندما كانوا يسيرون في الهواء الطلق. بعبارةٍ أخرى، اعتقد أولئك الناس أن الأمر سيكون جيداً، لكن اتضح أنه كان أفضل بشكلٍ كبير مما كانوا يتوقعون".
وترى الباحثة أن شروعنا في استكشاف الطبيعة سيجعل ذلك - وبسرعة - جزءاً مهماً من حياة كلٍ منّا.
إذا، ما هي أبسط السبل المتاحة لجعل التواصل مع الطبيعة جزءاً من روتين يوم العمل بالنسبة لنا؟
ربما لن تكون هناك مشكلةٌ في الأمر، إذا كنت تعمل في إحدى الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا، فـ "ميكروسوفت" خصصت منطقة اجتماعاتٍ لموظفيها في الهواء الطلق على هيئة بيوتٍ بين فروع الأشجار، بينما يوجد لدى "أمازون" ما تُطلق عليه اسم "ذا سفايرز" (الأفلاك) وهي عبارة عن ثلاث قبابٍ مليئةٍ بالنباتات، يمكن أن تستوعب 800 موظف "بوسعهم التفكير والعمل في إطارها بشكلٍ مختلف". أما "أدوبي" فقد أنشأت مضماراً للركض على سطح مقرها في لندن.
غير أن هناك بدائل أقل تكلفة؛ إذ تقول جو بارتون: "ما نميل للترويج له هنا هو نمطٌ من الاجتماعات يمتزج فيها المشي بالحديث. يتعلق الأمر فقط بتغيير مكان الاجتماع (بالزملاء) ليكون في الهواء الطلق".
وتضيف أن وجود نوافذ تطل على مشاهد طبيعية يمكن أن يُحسّن إنتاجية المرء، ويعزز إحساسه بالسعادة، وهو ما يؤدي إليه أيضاً وضع نباتاتٍ في مكان العمل. كما تضيف بعض الشركات غرف أو كبائن اجتماعاتٍ في الهواء الطلق.
لكن الأمر لا يخلو من دورٍ يتعين على الموظفين الاضطلاع به من جانبهم، عبر الإقدام بشكل منتظمٍ على تصرفاتٍ من قبيل صف سياراتهم في مكانٍ أبعد قليلاً عن مقر العمل، ومن ثم السير للمقر عبر مساحةٍ خضراءٍ، أو تناول الغداء في متنزهٍ أو حديقةٍ.
وتوصي جو بارتون بتقسيم فترة الراحة - وهو ما تراه ممكناً بشكلٍ أكبر - وذلك لكي يتسنى للمرء التفاعل مع الطبيعة على مدار ساعات اليوم، وهو ما سيؤدي لتحقيق القدر الأقصى من الفوائد الناجمة عن ذلك.
ومن جهته، يقول كوربيلا إن التفاعل مع الطبيعة إذا تم لفترة محدودة، كأن يجري لمدة أسبوعين مثلاً، سيجلب كذلك فوائد قصيرة المدى. ويشير إلى أن السعي لجعل تلك الفوائد تستمر على المدى البعيد يتطلب أن تصبح أنشطةً مثل السير في الحدائق وغير ذلك، مترسخةً وثابتةً ومنتظمة.
ويضيف أن الأبحاث تشير إلى أنه عندما يتعلق الأمر بتحقيق مثل هذه الفوائد بعيدة المدى؛ فإن ممارسة نشاطٍ بدني في أرجاء الطبيعة، يفوق في أثره رؤية مشاهد خلابة لمساحاتٍ خضراء من نوافذ مقر العمل، أو وجود مثل هذه المساحات داخل المقر نفسه.
لكن كوربيلا يؤكد أن التأثيرات قصيرة المدى قد لا تخلو بدورها من فوائد، إذ أنها قد تكون مهمةً على صعيد الحيلولة دون تراكم التوترات والإجهاد على المدى الطويل، وهو ما قد يخلّف بشكلٍ ما أثاراً إيجابية طويلة الأمد كذلك. غير أن كوربيلا يشير في الوقت نفسه إلى أن ثمة حاجةً لمزيدٍ من الدراسات في هذا الصدد.
في كل الأحوال من الواضح أن السعي للبحث عن أماكن مُفعمة بمشاهد الحياة الطبيعية وسط قسوة الحياة العصرية ذات الطابع المادي المفرط التي نعيشها، هو أمرٌ يستحق العناء، وهو ما يعبر عنه جون موير بالقول: "عليك أن تظل قريباً من قلب الطبيعة.. وأن تخفف من كل شواغلك والتزاماتك من حينٍ لآخر، لتُطهر روحك من كل ما يشوبها تماماً".